مجيبنما
ملحمة عن شيخ مجيب
اب الامة
بقلم: سيد ابوبكر
ترجمة: اسماء الزنجلي
الجزء الأول:
كان بطلا قويا كالرعد ذو صوت كزئير الأسود
يقف في أرض ساحة دكا في مارس،
عام ألف و تسع مئة وواحد و سبعون مخاطبا شعبه البنغالي:
‘ إن شعب البنغال يريد أن يصبح حرا؛
إن شعب البنغال يريد أن يعيش ؛
إن شعب البنغال يريد حقوقه
هو، كالحكيم بروميثوس ، نما في عينيه حلم سرقة النار من النعيم
ليدفئ قلوب البنغاليين، حاملا في صدره ألما عميقا لشعبه المضطهد في وطنه
ألما اندفع هائجا كفيضانِ آلاف الأنهار.
كان بطلا في عز الشباب قوي البنية ذو جسد توحي صلابته إلى الأشجار
في قامتها و أوراقها الخضراء اللامعة،
يزأر كنمر ملكيّ بنغالي في ساحة دكا ، مستحما بشمسها الحارقة و ضوئها الفضي
قائلا:
‘ إن نضالنا هو نضال للحرية، و كفاح من أجل الاستقلال ‘
في صوته المليء بالحماس و الشجاعة رأى البنغال جيلا يافعا
أسدا من الأسود الأبطال كالإمام الحاجي شريعة الله، القائد المسلم عيسى خان
منصور الملك سراج الدولة،
بل بطلا خارقا يحوّل الشمس الحارقة إلى ظلال، سخّرها لهم من أشجار الأثْأب الهندية؛
و طائرا يحلق ملامسا السماء الزرقاء، كفارس من فرسان نازغول.
كان بطلا كالأساطير ثابت كالجبل في حلبة دكا استحوذ بصراخه؛
على هزيم الرعد النائم لينطق باسم الحرية
أبصر الحشد في جبهته المنيرة كالنجوم انتماءً روحيا لسلالة أبو القاسم فضل الله؛
عبد الحميد بهاشاني و حسين شهيد سهرودي ؛
وناطقا باسم شهداء ألف وتسع مائة وواحد و خمسون.
أنا واحد من أبناءه مغموم من الحزن آخر شعراء العصر ولدت برامفودرابور
جهة كيشابور بمنطقة جيسور
هنا أقف بقلب مكسور كانكسار مرآة حطمها الحزن لآلاف القطع؛
أحمل رغبة في غناء هذه القصيدة. سأغنى لانتصاره ،
لمن يستيقظ بلدي كل يوم على اسمه، لمن بندائه أيقظ بلاد البنغال
في يوم من الأيام من سباتها العميق.
سأغنى أغنية الحرية التي ما فتئت شفتا طائر العقعق المكسور الجناح
تردّّدها
لتزهر على المدى الطويل وردة من سلالة العجائب، في حديقة الأرض؛
اسمها بنغلادش، الوطن الأكثر جمالا.
وطني الذي كُتبت أساطيره على صفحات التاريخ بحروف من ذهب.
يا الله
أعلم أن أوراق الأشجار لا تهتز إلا بإذنك، و الشمس تلقي بضوئها في كل الزوايا
بأمر منك
و الأزهار تنشر عبيرها ، و الطيور تغني في الغابات عطفا منك.
القمر المضيء؛ و الأنهار الهائجة؛ جبال الهيمالايا الشامخة ؛
المحيطات الغنية بالمياه؛ السماء الزرقاء الواسعة؛ الأشجار الخضراء؛
و التربة الخصبة، كلها نعم من جودك ورحمتك. بقدرتك خلقت الورود جميلة ؛
و الفواكه شهية، من يقدر الحركة خطوة في أرضك دون علمك؟
إن شئت حميت عبدا من صفحات الدهر فجعلته خالدا؛ وإن شئت أمت عبادك أجمعين
كأحرف رسمت على سطح البحر
إن رضيت عن عبد فقير من عبادك جعلته برحمتك ملكا؛ و إن غضبت على عبد غني
جعلته مذلولا، متسولا يدق الأبواب
لك تغرب الشمس خاضعة خوفا منك ، و يختبئ القمر برأس منحنٍ؛
و عينان تدمع لجلالتك.
يا الله ، لك سجدت خاشعا ، كشجرة تنبول كسرتها الرياح
إذا أنرت الطريق استنرت بنورك، و بذاك النور ستبهر قصيدتي أعين العالم
كضوء القمر في الخريف
إذا رزقتني القدرة ، ستحذو قصيدتي الملحمية حذو ميلتون؛
دانتي و هومر لتسير عبر أحضان الوجود.
و إن رضيت عني، أنا أيضا معانقا يد أبي ، الشاعر الملحمي مدهوسودان،
سأعبر محيط الملحمة الغير السالك.
عزمت هذا الصباح ، و أنت يا مجيد أعلم بعزيمتي ،و بلا توفيق منك
لا أمل لي في النجاح
سأغنى قصيدته القصصية ، الابن الأعظم لأمة البنغال العظيمة لآلاف السنين
سأغنى لمن بقوله الشهم أشرقت شمس الاستقلال خلسة، دون انتظار
في بلاسي عام ألف وتسع مائة وسبعة وخمسون.
لمن بإشارة منه ، تحررت قيود آلاف السنين من العبودية
لترقص الأمة جمعاء على ألحان البهجة و الفرح.
سأغنى قصيدته القصصية كما ملأ فالميكي هواء الأرض بأنغام راما
سألحن صوتي، وأدفأ روحي بأشعة الشمس اللامعة، التي بها يشرق الصباح
في الكون مخترقةً ظلام الليل
لتتدفق بهيام الأشعار المجنونة بحب الوطن في عيناي.
من في الكون له أم غير حنون، الأمهات مقدسات كالنعيم جميلات؛
معزات لأطفالهن، كحب الوطن لأبنائه
من لا يحس بالراحة عند لمس تراب وطنه، من لا تدمع عيناه
لبلده في وقت المحن
كذلك الراعي النشيط يرعى الدواب في البر القاحل؛ مبتهجا
لجمال وطنه
الفلاح الجائع بجسده النحيل ، يحرث أسفل التل الصلب حرث ‘جهوم’ ؛
محتفيا بنصر مسقط رأسه
ويلاه! من قاس القلب الذي لا تدمع عيناه في الغربة شوقا لوطنه؛
من البربري الذي يأثم رفقة فاجرة ، منتهكا عفة وطنه ؟
من جهة ، كان آخرَ سطوع لشمس البنغال ؛بهار؛أوريسا
نواب سراج الدولة
و من جهة ، فخ التآمر لغايستي بيغوم ، مير جعفر ، جڭات سيث ، و
المحتال روبرت كليف
غمام الخطر انتشر في المكان، الجنة الرطبة، المثمرة و الخصبة كأرض
البنغال
الذرة الوافرة الخضراء، أُسقطت في الخطر تكرارا، لجمالها و ثروتها،
كما يطارد الغزال للحمه ، و الفتاة لجمالها
في الماضي، جاء فرسان مهورتا سيئي السمعة لينهبوا الممتلكات
إمبراطورية المغول أتوا؛
اعتدى مان سينغ و رجاله على حقول الأرز ، لكن مالكها عيسى خان
قاتل بقوة محطّما سيف مان سينغ
آجلا، جاء أشرار شرسون ليفترسوا الشعب الراقد في سلام،
و يمزقوا خريطة البنغال؛
جيش مسلح اجتمع في بلاسي ، نُفخ صفير الحرب بقوة وسط الضجيج
وقف الوطنيون المضحون في جانب، و الوحوش الطماعة؛ الأجانب الأنانيون في جانب،
بينهما قلة من المحليين الجشعين القذرين.
يا بنغال ، بلدي الحبيب ؛ وطني المقدس.
يا للبؤس الذي أصاب أرضك
مرارا
متى كنت حرا بلا أعداء ؟ متى لم تلدغ الأفعى السامة بالشؤم ، ابنك لوخينضار
قل لي بأي لعنة أصبحت لأحزان الأرض نجلا؟
يا بنغلادش، أبناؤكِ الذين كانوا مباركين بالأرزّ والحليب، أصبحوا مجددا عبيدا
سخريةً من القدر
شمس الاستقلال انغمست في بحر الزمن بعمق مئتي عام، سحاب البنغال الأبيض
إسودّ خجلا من دماء سراج الحمراء
امتدّت أشعة الشمس بزي الحداد إلى القبور، سرب من طيور البوم
قطط سوداء جلست في الظلام الحالك المكثف؛
تنتحب مواءً
أيها البنغال ،بلدي الحبيب ، ووطني المقدس. من يرضى العيش في قفص حديدي
مغلق ؟ من لا يرغب في حياة حرة؟
طيور الغابة جميعها تنشر أنغام السلم، تخفي كنز الحرية في أرواحها
تتنقل الأسماك بحرية في الماء من موطن لآخر
النمل الصغير، أحقر الكائنات، يقود حياة حرة مبقيا قوامه مرفوعا،
الغزال الهادئ أيضا، يسكن الغاب مع النمور، يجري فرحا طليقا
كشعاع الشمس
فقط شعب البنغال المسالم يجر عربة العبودية كالثور في حقل الحياة،
سخرية من القدر
بالرغم ، تسلل لأعينه ضوء غروب الشمس الخفيف للاستقلال الضائع ،
ليتراقص ألم فقدان الحرية في صدره ، كوجع فقدان أرفيوس لمحبوبته
أوريديس
الألم العسير الذي تحول إلى ضباب يحيط البلد، انهار على الأرض بصوت
يشبه نفخ بوق اسرافيل
هناك انفجرت عاصفة عنيفة مدمرة ، ليتطاير عرش مملكة بريطانيا كأوراق الشجر اليابس
معلنا عن بنغال حر
و تنطلق بانشراح أغصان حياة شعب البنغال بأوراقها اليافعة ، متقلبة في رياح الحرية.
لكن،
أسفاه! من كان يدري أن من حسبناهم إخوانا كانوا أعداءً و أشرارا قتلة، أثقلوا صدر البنغال
بالموت و السرقة، القمع و العنف
خرج الحشد غاضبا إلى الطرقات للاحتجاج، أي تنين هذا الذي جاء للبلاد!
التهم بدايةً الاقتصاد ثم الثروة ،
و ربما انقض على أرواح البنغاليين ، و شرف النساء ليرضي جوعه
ألا محدود
أراد طعن قلوب الرجال ليغتال أحلامهم، طموحاتهم، آمالهم، عواطفهم
و حتى أوهامهم،
أن يفترس لغتهم ليدمر وطنه روحا و جسد، بأظافره السامة أصبحت طرقات دكا
ملوثة بدماء الشبان البنغاليين البريئين، المحبين لأمهاتهم، لغتهم و وطنهم الأم.
في ذاك اليوم الغائم، انتظرت الأمة جمعاء بأعين متحمسة؛ كعابري محيط هائج يحدقون
في المركبي بعجز، يصرخون عاليا اسم الله
بل كقارب سقط في فخ النهر الثائر بأمواجه العاصفة، يهتز جيئة و ذهابا، و المسافرون
يصيحون طالبين النجدة ، لأن مدير القارب عدو
أخيرا ، جاء منقد الأمة التائهة ، يزأر كالأسد ليهتز البلد كالزلزال ، و ترتعش
أرواح الأعداء الفاسدة خوفا ، كارتعاش أوراق شجرالأثأب
جاء كما تحضر الشمس شرق السماء مخترقة الليل، و كما تعود الكهرباء المنيرة
في ليالي الصيف الحار بعد انتظار لا يطاق
جاء كمطر خفيف، يهطل بردا و سلاما على القلب الممزق للأرض المحترقة
في شهر شويترا
جميع البنغال من تكنوف إلى تيتوليا ، و من ساحل نهر كابوتاكخا لساحل سورما ؛
بورنوڦا ؛ مغنا ؛ جيمونا جميعا رحبوا به في فرح عارم
ملئوا الهواء بالتهليل و الشعارات النارية المتناثرة ، حنوا رؤوسهم له
ألبسوا عنقه إكليل ورد ، كتبوا على جبهته العريضة بحب كبير الإسم الذهبي
‘ البانجو باندو’ ، صديق البنغال.
[تتويج الفصل: الجزء الأول]